2009-05-18

حي القصبة القلب النابض لمدينة الجزائر



القصبة رمز الهوية وبوابة التاريخ


حي القصبة القلب النابض لمدينة الجزائر


مختصون يطلقون برنامجا لإعادة بعث الحركية السياحية وخلق مرافق سياحية في واحد من أعرق أحياء العاصمة الجزائرية . ميدل ايست اونلاين الجزائر – من رياض وطار مازال حي القصبة في وسط العاصمة الجزائرية شاهدا على كل حكايات التاريخ ، ورغم قدم ازقته ‏فانه مازال محافظا على تراث الجزائر وخصوصيته التي تميزه عن كل الدول العربية .‏ وعندما يستيقظ حي القصبة صباحا تبدأ الحركة والضجيج ليزعزع سكونه الليلي فهو ‏حسب احد السكان القدامى و يدعى عمي محمد "لاينام " ولكن أيامه ذهبت فكان ‏معروفا بالحركة الدائبة والسكان كانوا يعرفون بعضهم بعضا لكن اليوم هناك من رحل ‏إلى مناطق أخرى .‏ وأضاف محدثنا أن القصبة مازالت تحافظ على خصوصيتها بوجود محلات الخياطة والطرز والنحاس وكذا فهي معروفة بأنها "حي البسطاء". من جهته قال عمي عمار وهو احد السكان القدامى لهذا الحي العتيق أن من أراد ‏زيارة الجزائر عليه أن يزور القصبة و أزقتها التي تحكي حكاية الشعب الجزائري .‏ ورغم تميز هذا الحي بالأزقة الضيقة فانه يضم الكثير من المحلات الخاصة ‏بالخياطة ودكاكين صانعي الحرف التقليدية مثل صناعة الفخار وصناعة النحاس والأحذية والألبسة التقليدية مثل الفساتين الخاصة بالأعراس . كما خصصت بعض المراكز في قلب القصبة للتكوين المهني المتخصص في الحرف و‏الصناعات التقليدية التي تشتهر بها كالطرز على الحرير و خياطة البرانيس و‏الجلابيب الخاصة بمنطقة المغرب العربي . ووضعت وزارة الثقافة والاتصال الجزائرية سابقا مخططا دائما لحماية القصبة المتعلق ‏بحماية التراث الثقافي بجميع مكوناته حيث تجلب القصبة كل سنة أكثر من مليون سائح ‏من دول مختلفة وتستقبل أكثر من 500 ألف مواطن يوميا نظرا لأهميتها التاريخية والاجتماعية كما يزورها العديد من المؤرخين وعلماء الآثار الأجانب لدراسة ‏معالمها التاريخية . ويعد حي القصبة في الجزائر، معلم تاريخي عريق "حي البسطاء" ما زال شاهدا على الثورة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي الطويل . و يقع في أعالي العاصمة ‏الجزائرية كما يعتبر من اكبر الأحياء القديمة في الجزائر وصنف من قبل منظمة الاونيسكو من المواقع التي ينبغي أن ‏تحافظ عليها اللجنة الوطنية لحماية أملاك الدولة الجزائرية . ويعتبر حي القصبة بموقعه ومعالمه وهندسته شاهدا على ذاكرة الأمة وتاريخ الشعب ‏الجزائري لاحتوائه على اكبر تجمع عمراني لمبان يعود تاريخ بنائها إلى العهد ‏التركي ومنها قصر مصطفى باشا وقصر دار الصوف وقصر دار القادس و قصر سيدي عبد ‏الرحمن و دار عزيزة بنت السلطان وقصر دار الحمرة الذي تحول إلى دار للثقافة إلى ‏جانب قصر احمد باي الذي يستغله المسرح الوطني. وما تزال هذه القصور موجودة ومنها ما حول إلى مكتبات ودور ثقافة أو مراكز ‏للتأهيل المهني . ومن القصبة انطلقت أولى شرارات الثورة بالعاصمة الجزائرية بعدما انطلقت بمنطقة ‏الاوراس في الشرق الجزائري و منطقة القبائل الكبرى وسط الجزائر ومنطقة التيطري ‏بالغرب الجزائري في عهد الاستعمار الفرنسي الذي استمر في الجزائر 132 سنة. وكان حي القصبة معقل الثوار في دار السبيطار التي كانت مخبأ للمجاهدين أمثال ‏علي لابوانت واحمد زبانة و جميلة بوحيرد وجميلة بلباشا وحسيبة بن بوعلي وغيرهم من المجاهدين الذين حركوا الثورة في وسط العاصمة وهددوا امن الفرنسيين . وعرف الحي إبان ثورة التحرير بالحي المشتبه فيه دائما من طرف المستعمر نظرا ‏لكونه كان مخبأ جيدا للثوار و المجاهدين لإمكانية الاختفاء في بعض المباني ‏القديمة .‏
ومن ثم عرف حي القصبة حكاية شعب إبان الثورة التحريرية حيث كتبت بحروف من الدم ‏حكاية الثوار والمناضلين الجزائريين و الشهداء مثل زيغود يوسف و محمد بومنجل .‏ كما كان حي القصبة من الأماكن التي ألهمت الكاتب الجزائري الراحل محمد ديب في ثلاثياته مثل "دار السبيطار" و"الحريق" و"الدار الكبيرة" وكلها روايات ‏تقع أحداثها في القصبة و تحكي معاناة الجزائريين و السكان في سنوات الخمسينات و ‏التعذيب الذي تعرض له الجزائريون من طرف جنود فرنسا .‏ كما استلهم الكاتب ياسف سعدي كتابه "معركة الجزائر" من الأحداث التي وقعت في ‏القصبة العتيقة إبان الثورة الجزائرية وحوله إلى فيلم كبير المخرج الإيطالي جيلو بونتيكورفو وتم عرضه حتى في قاعات ‏السينما الأميركية كما نال به المخرج شهرة عالمية حيث مكنه من الحصول على الجائزة ‏ الكبرى في مهرجان فينيسيا الذي يعتبر بداية النجاح العالمي للسينما السياسية بقدر ما يعتبر "زد" لكوستا جافراس عام 1969 بداية النجاح الجماهيري لهذه السينما ولعل هذا فضله الوحيد .
وتتعرض احياء القصبة بفعل عوامل بشرية وطبيعية الى تلف تدريجي ، وكشف أعضاء اللجنة المكلفة بالحفاظ على القصبة ، خلال تنشيطهم لمؤتمر صحفي بقاعة فرانز فانون بالجزائر العاصمة ، عن تقريرهم الأولي للتحقيق الذي أعدوه في إطار مشروع وزارة الثقافة بالحفاظ على القصبة التي تشهد كل معالمها ومبانيها حالة ووضعية تسوء من يوم إلى آخر، نتيجة مختلف العوامل الطبيعية والبيئية والبشرية بالخصوص . هذا ما أشارت إليه اللجنة في تقريرها المذكور بحيث أفادت أن كل أحياء القصبة وهي أحياء "عمار القامة"، "القلعة"، "البحر الأحمر" ، "سوق الجماعة" ، حي "للاهم " مهددة بدرجات متفاوتة بالزوال إن لم يتم إيقاف الانهيارات وحالة التداعي . وبعد تحليلها للوضعية التي تعرفها القصبة من جميع الجوانب ، وضعت اللجنة المشرفة على المشروع ، والتي تتكون من مختلف الجهات الوصية والمعنية من وزارات والمجلس البلدي للقصبة وكل الفاعلين الذين لهم صلة بالموضوع من قريب أو بعيد ، لاسيما مختلف المديريات الوزارية والمؤسسات المعنية بمثل هذه القطاعات . حيث تم القيام بدراسة شاملة تمحورت حول مختلف الجوانب منها القانونية لاسيما ما تعلق منها بحماية التراث العمراني إذا علمنا أن حي القصبة يدخل ضمن التراث العالمي . كما أشار المتدخلون أن المشروع أسند إلى مكتب دراسات معتمد وكفء بينما تبقى الجهات والهيئات الرسمية تنسق جهودها من أجل الوصول إلى نتائج أفضل في الحفظ على هذه الثروة الوطنية .
بهذا الصدد ترى اللجنة في تقريرها الأولي الذي قدمته للصحافة الوطنية، مدعما بخرائط توضيحية وتفصيلية للوضع الذي آلت إليه القصبة وهذا بحضور ممثلي العديد من الهيئات وفي مقدمتهم السيد عمر بطروني مدير التراث بوزارة الثقافة ، أن هذا المشروع هو مشروع دائم يستهدف من الناحية المادية التكفل بالنسيج العمراني ، وبشبكات صرف المياه والكهرباء وغيرها، وإزالة المباني غير الشرعية أما من ناحية الجانب الاجتماعي فيقترح أصحاب المشروع إعادة إسكان المواطنين ، والسماح بإعادة إحياء الجانب السياحي والثقافي والاقتصادي للمعلم بإعادة بعث الحركية السياحية وخلق مرافق تجارية وسياحية بها .
وعمليا يتصور المشروع أن يكون على ثلاثة مراحل أساسية منها الدراسة والتشريح والتحليل ، القيام بأعمال توقيف الانهيار والمحافظة قدر الإمكان على نسيج التراث الوطني الذي يزداد وضعه خطورة كما ألح مختلف المتدخلين ، ليكون المشروع التمهيدي جاهزا نهاية السنة أو مطلع السنة القادمة .
في الأخير تم إطلاع الحضور على الخرائط التوضيحية مدعمة بشروحات وافية عن الوضع السيئ الذي آلت إليه القصبة ومختلف أحيائها ضمنت درجات التداعي والانهيار، ومختلف الأسباب التي كانت وراء ذلك منها المياه الناتجة عن تساقط الأمطار ، تسرب مياه الشرب ، الزلازل التي كانت وراء بعضها زيادة على أعمال الترميم المختلفة أو البناء غير الشرعي ، متطرقين بالأرقام إلى عدد المباني في كل حي حسب درجة الضرر، وفق المعايير المعتمدة من طرف اللجنة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قائمة المدونات الإلكترونية

المتابعون